طنجة المبدعة… والعمدة الشاعر!

محمد سعيد الاندلسي

يبدو أن مدينة طنجة قررت أخيراً أن تكتب فصلاً جديداً في روايتها الطويلة مع الأحلام الكبيرة، فبعد أن أعلن العمدة منير ليموري، بكل فخر وابتسامة، أن “اليونسكو اعتمدت طنجة مدينة مبدعة في مجال الأدب”، تحولت صفحات التواصل الاجتماعي إلى ساحة استهزاء متواصل… لا نعرف إن كان للتصنيف أم للبلاغة الشعرية في الفيديو الرسمي!

العمدة بدا كمن وجد نفسه فجأة بين صفحات رواية بوليسية: فطنجة، كما قال، لا تكتفي بأن تكون “مبدعة”، بل تطمح أن تكون “الأكثر إبداعاً في العالم”. طموح جميل، يشبه وعود السياسيين في الحملات الانتخابية: “سنُبدع حتى إشعارٍ آخر”.

لكن الغريب في الأمر أن هذا “الإبداع” الذي يتحدث عنه العمدة لم نره على أرض الواقع، فلا أحد يتذكر أنه دعم مهرجاناً ثقافياً، أو تظاهرة ادبية، أو كرّم شاعراً أو مثقفاً واحداً من أبناء المدينة الذين صنعوا مجدها الأدبي الحقيقي. فهل يحتاج المبدعون إلى “اعتماد من اليونسكو” قبل أن يحصلوا على التفاتة بسيطة من جماعة طنجة؟

ورغم أن سكان المدينة يقرؤون ويطالعون كثيراً في كتب الأدب، إلا أنهم بالتأكيد يملكون قصصاً واقعية تصلح لروايات عالمية: من الحفر التي لا تنتهي في الشوارع، إلى إشارات المرور التي تعمل وفق نظرية “المزاج”، وصولاً إلى مشاريع التهيئة التي تُكتب فصولها على مهل، كأنها رواية نجيب محفوظ جديدة.

لكن لا بأس، فطنجة، كما يقول العمدة، تحتاج فقط إلى “الفعاليات الثقافية والكفاءات”. جميل، لكن يبدو أن بعض “الكفاءات” تفضل حالياً الكتابة في الظلام، بسبب إنارةٍ خافتة في بعض الأحياء!

الجميل في القصة أن طنجة تستحق كل تصنيف، فهي فعلاً مدينة الإلهام، من بول بولز إلى محمد شكري، ومن “الخبز الحافي” إلى “الوعود الكبيرة” لكن ما تحتاجه المدينة اليوم ليس المزيد من “الإبداع الخطابي”، بل فصولاً جديدة من الإبداع الميداني: نظافة، نقل، فضاءات ثقافية، وشوارع تحترم المارة كما تحترم الروايات قراءها.

فليكتب العمدة ما شاء من بيانات، وليحلم كما يحلم الأدباء، فقط نتمنى أن لا تبقى طنجة “مبدعة على الورق” و”واقعية في الارتباك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى