
جيل “زد”.. وعي رقمي يتحول إلى حراك اجتماعي
تشهد المدن المغربية منذ أسابيع حراكًا اجتماعيًا تقوده فئة الشباب المعروفة بجيل “زد”، في مشهد يعيد إلى الأذهان التحولات التي رافقت حراك 20 فبراير قبل أكثر من عقد، لكنه هذه المرة يحمل ملامح جديدة تتجاوز الاحتجاج السياسي نحو وعي رقمي واجتماعي مختلف.
فجيل “زد”، الذي وُلد بين عامي 1997 و2012، نشأ في زمن العولمة والانفجار التكنولوجي، ما جعله أكثر اتصالًا بالعالم، وأكثر جرأة في التعبير عن مواقفه. وهو جيل تعلّم كيف يحوّل شبكات التواصل الاجتماعي إلى فضاء للنقاش والتعبئة، بعيدًا عن الوسائط السياسية التقليدية، التي فقدت إلى حد كبير قدرتها على تمثيل تطلعات الشباب.
لقد أظهرت احتجاجات هذا الجيل مستوى لافتًا من التنظيم الذاتي عبر منصات رقمية جديدة مثل “ديسكورد”، حيث تشكّلت مجموعات للنقاش وتبادل الرؤى حول سبل التغيير الاجتماعي. وتُظهر هذه التجربة أن التكنولوجيا لم تعد مجرد وسيلة للتسلية، بل أصبحت أداة لتكوين رأي عام واعٍ ومؤثر، قادر على إعادة صياغة النقاش العمومي داخل المجتمع.
وعلى عكس ما كان يُروَّج عن انغلاق الشباب داخل “فقاعة رقمية”، فقد بيّنت الوقائع أن هذه الفئة تحمل وعيًا نقديًا متقدمًا تجاه القضايا الوطنية، خصوصًا تلك المتعلقة بالصحة والتعليم، معتبرة أن الاستثمار في الإنسان أولى من التركيز على المشاريع الرياضية والبنية التحتية الترفيهية.
بل إن مقاطعة بعض مباريات المنتخب الوطني كانت رسالة رمزية تعبّر عن رفض الانشغال بالمظاهر على حساب الأساسيات التي تمسّ حياة المواطن اليومية.
هذا الحراك، وإن بدا في ظاهره اجتماعيًا، إلا أنه يعكس عمقًا سياسيًا غير معلن، يتمثل في رغبة الشباب في إصلاح بنية الدولة وإعادة الثقة في المؤسسات. كما يكشف محدودية المقاربات الأمنية في التعامل مع الاحتجاج، ويدعو إلى التفكير في نموذج جديد للحوار بين السلطة والمجتمع يقوم على الشفافية والإشراك الفعلي للشباب في القرار العمومي.
إن “جيل زد” لا يثور من فراغ، بل يتحرك من داخل وعي جمعي تشكّل في عالم رقمي مفتوح، حيث المقارنة بين الواقع المحلي والتجارب العالمية باتت يومية. لذلك فإن أي إصلاح مستقبلي يتجاهل هذا الوعي الجديد، سيظل قاصرًا عن ملامسة جوهر التحول الاجتماعي الذي يعيشه المغرب اليوم.



